كلمات وأشياء
لكن، خلف المرارة كانت هناك إشارة، واللبيب يصنع من الإشارة العبارة، فقد قال جوارديولا بتلقائية لا تحتمل لا التوهيم ولا التعتيم: «من مباراة ريال مدريد تعلمت شيئاً».
ومن عادة العظماء أنهم لا يلعنون الهزائم والأخطاء، ولكنهم يتعلمون منها ما يجنبهم تكرارها، فما الذي تعلمه جوارديولا يا ترى من السقطة الموجعة أمام الريال؟
أدرك بيب أن ما أحاط به من فنون التدبير التكتيكي للمباريات، من قدرة فنية على محاصرة المواقف وتصريف اللحظات المفصلية الصعبة، أشياء كثيرة، هي ما يجعله اليوم على رأس المدربين الخلاقين والمبدعين الذين عرفتهم كرة القدم على مدى تاريخها الطويل، ولكنه يعلم علم اليقين أن أشياء أخرى تغيب عنه، وإن أتته تلك الأشياء من مباريات شبيهة بمباراة الريال قبض عليها وما تركها أبداً تفلت منه.
بأسلوب اللعب الذي أبدعه فلسفة كروية جميلة من عيار السهل الممتنع، خيل لبيب جوارديولا أنه يستطيع، مع الوصول بسرعة وسلاسة لمنطقة الحقيقة، التسجيل من كل المواقع والزوايا وبشتى الطرق، وقد لا يكون في ذلك بحاجة ماسة لمهاجم الصندوق، للاعب يحول المنطقة الدفاعية للفريق المنافس إلى بركان مشتعل، لرأس حربة سهمه حارق لا يخطئ المرمى.
كانت الفرص المهدرة أمام ريال مدريد قبل حلول دقيقتي الوجع دليلاً على أن السيتي لم يصل لنسبة عالية في تحويل الفرص المعجونة بالنار والمصاغة بدقة نادرة إلى أهداف، وكان لزاماً أن تتغير القناعات والرؤى، فجلب السيتي المروحية إيريك هالاند، من يوصف اليوم بالقناص الذهبي، من يجعل منه عمره الصغير الوريث الشرعي لهدافين كبار من أمثال كريم بنزيمة وروبيرت ليفاندوفسكي.
ولأن الفتى النرويجي الفارع الطول، والمالك مهارات فنية استثنائية، يندر لها شبيه، يسجل كما يتنفس، وتشهد على ذلك إحصائياته الرائعة مع سالسبورج النمساوي ومع دورتموند الألماني ومع منتخب «الفيكينج»، فإنه سيأتي سريعاً بحبة الكرز التي ستزين حلوى السيتي، سيأتي بالومضة الساحرة التي ستبرز مفاتن الفريق الفنية والتكتيكية. وبأهدافه الـ 12 في المباريات الثماني التي لعبها للسيتي حتى الآن، وكان آخرها ثنائيته في مرمى إشبيلية الإسباني عند افتتاح حفل الأبطال، يكون هالاند قد جاء للسيتي بالحرف الذي يفك الشفرة، ولكن حرف هالاند وحده لن يكفي لكتابة الكلمة التي تفتح مغارة الأبطال..
هذا على الأقل ما يعتقده جوارديولا، وهو محق في ذلك.
* عن صحيفة الاتحاد الإماراتية